جائزة الملك عبد الله العالمية للتراث والثقافة .. تعزيز للقيم الإنسانية
الاقتصادية
د. مهند مبيضين
لم تعد أخبار الجوائز الثقافية العربية تحمل كثيرا من الجديد؛ فتشابهها وعدم حياديتها ومحاولات إرضاء الدول بعضها لبعض, والتحالفات الخفية التي تلف لجان المنح والرأي والاستشارة، تظل حديث المثقفين العرب الذين باتوا يعرفون مسبقا من الفائز وعلى قياس من ستكون جائزة تلك الدولة أو الهيئة المؤسسة المانحة، وهذا الواقع يفرض التحدي على الجديد القادم من المملكة العربية السعودية, الذي حملته الأنباء بموافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، على تبني جائزة عالمية للباحثين والمهتمين بمجال التراث والثقافة على المستوى العالمي، لتكون ضمن إحدى أهم فعاليات مهرجان الجنادرية خلال العام المقبل.
جاء الإعلان عن الجائزة من قبل الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز نائب رئيس الحرس الوطني للشؤون التنفيذية نائب رئيس اللجنة العليا لمهرجان الجنادرية، السبت, والتي ستحمل اسم «جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للتراث والثقافة» تضيف المملكة لبنة جديدة من لبنات مشروعها الثقافي ذي الرؤية الإنسانية والآفاق العالمية.
التوقيت مهم في الإعلان عن الجائزة، فإدارته لم ترد لها أن تكون مفاجأة المهرجان بقدر ما سعت ـ على ما يبدو ـ من الإعلان عن الجائزة ليكون مساهمة ترتقي بالجنادرية من مناسبة ذات بعد محلي إلى فضاء الثقافة العالمية، وذاك ما يسهم في تعزيز القيم الإنسانية التي نهجتها المملكة منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الحكم، والتي عبرت عن رؤى كبيرة تجاه الإنسان والعالم والمعرفة.
تفاصيل الجائزة قد تكون مهمة لمن سيتولون ترشيح أنفسهم، بيد أن الأهم ثقافيا هو القيمة التي تمثلها من حيث كونها تصدر من البلد الذي يضم أهم مواقع التراث العالمي وأقدس بقاع الأرض, وهو مكة المكرمة والحرم النبوي في المدينة المنورة، وبذلك تلقي قداسة المكان وقيمته ظلها على الجائزة التي يقدمها ويرعاها ملك عرف عنه منذ تولي الحكم أنه سعى جديا إلى تثاقف عالمي عبر الحوار مع الآخر، فكانت سلسلة اللقاءات والمؤتمرات التي عنت بأمر حوار الأديان بمثابة التأسيس الفكري لخطاب الرهن والمستقبل الذي يصدر من أرض الإسلام إلى الدنيا كافة.
الجائزة ستمثل جديد مهرجان الجنادرية في دورته الـ 25 وستعمل على خلق حالة منافسة مع المهرجانات الثقافية الأخرى, وهذه سيسهم في تفعيل نقل المهرجان من سمة «الوطني» إلى «العالمي» وقد أحسنت إدارة المهرجان بأن جعلت الدورة الأولى للجائزة في الدورة المقبلة للجنادرية, وهو ما يعطي الجائزة الفترة المناسبة لتأخذ بعدها المؤسسي وتشكل هيئاتها المؤسسة التي ستنظر في طلبات الترشيح أو التي ستقوم بالاختيار، كما ستعطي فترة كافية لتحديد الأطر الناظمة للنهوض بالمهام الإدارية والتنظيمية والمهنية للجائزة.
جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للتراث والثقافة ستحمل معها منذ ولادتها التحدي الذي سيلازمها، وهو تحدي الفرق عن الجوائز الأخرى التي تصدر عالميا وعربيا وإسلاميا في موضوعات التراث والثقافة، وبالتالي ستكون أمام هيئات الجائزة التي ستشكل لاحقا مهام كبيرة تتمثل في كيفية إحداث الفرق لهذه الجائزة عن مثيلاتها الموجودة مثل جوائز الأغاخان في العمارة وجوائز الثقافة العربية التي تصدر في دول خليجية أو عربية أخرى أو حتى في المملكة العربية السعودية ذاتها.
كثيرة هي الجوائز العربية اليوم، وقليل جيدها ورصينها، وذاك ناتج عن تحويل بعضها إلى باب من أبواب الاسترضاء أو جعلها مناسبة احتفالية محضة، بيد أن ما يحدث في المملكة العربية السعودية من نهضة علمية وثقافية وبذل كبير على مشاريع تعليمية وثقافية تؤكد أن جائزة الملك عبد الله للثقافة والتراث ستخرج من رحم هذا المسار، مسار النهضة السعودية الثالثة الذي استهدف في عهد خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز تعزيز قوى الدولة التي عبر عنها ميشيل فوكوا وهي الثروة والمعرفة, وهاتان القوتان هما اللتان تصنعان قوة الدولة وتعززانها.
جائزة التراث والثقافة سبقتها جائزة خادم الحرمين الشريفين للترجمة التي كانت تعبيرا عن رؤية عميقة لأهمية الترجمة كوعاء ناقل للثقافات، وهو ما يسهم في تعزيز الحوار الثقافي عبر الترجمة وهو حوار يمكن من تعريف حقيقة الإسلام ويعمل على نشر اللغة العربية وثقافتهما، إضافة إلى أن الترجمة إحدى الوسائل المهمة التي تربط الثقافات معا، وخاصة الثقافة الإسلامية، وتفاعلها مع الحضارات الأخرى.
إذن تملك المملكة العربية السعودية ما يسمى ثقافة مؤسسة للجوائز التي تعنى بخدمة المعرفة, فإلى جانب جوائز خادم الحرمين الشريفين التي ميزت عهده, هناك جائزة الملك فيصل العالمية التي تمتاز بالحفاظ على مستواها العلمي المتقدم وعلى درجة عالية من الضبط المعرفي.
ما يلزم الجوائز هو وجود مستنيرين، فهي لا تنمو ولا تستمر ولا تتحصن إلا بوجود نخب ممتازة لها خبرة في الجوائز الثقافية والفكرية وذات رؤى إنسانية، ولعل المطلوب أمام هيئة الجائزة الجديد هو محاولة تكريس ثقافة الجدة والصرامة في معايير المنح والاختيار، التي إن ضبطت وأحسن تقنينها فإنها ستضمن للجائزة التميز والافتراق عن غيرها من الجوائز العربية والثقافية, وأعتقد أن لدى المملكة من النخب والعاملين في الحقل الأكاديمي ما يمكنها من بناء منظومة مؤسسية فاعلة ستضمن لهذه الجائزة أن تكون في مقدمة الجوائز العالمية.
أخيرا، وفيما يخص الجنادرية, فهو بفضل ما يحظى به من دعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام والأمير بدر بن عبد العزيز نائب رئيس الحرس الوطني, خرج من وصفه وطنيا محليا إلى آفاق العالمية, والمهم أنه جعل من الفكر قيمة مضافة إلى جانب الاعتزاز بثقافة الدولة والمجتمع السعودي.
__________________
تـحيـــاتي...
الاقتصادية
د. مهند مبيضين
لم تعد أخبار الجوائز الثقافية العربية تحمل كثيرا من الجديد؛ فتشابهها وعدم حياديتها ومحاولات إرضاء الدول بعضها لبعض, والتحالفات الخفية التي تلف لجان المنح والرأي والاستشارة، تظل حديث المثقفين العرب الذين باتوا يعرفون مسبقا من الفائز وعلى قياس من ستكون جائزة تلك الدولة أو الهيئة المؤسسة المانحة، وهذا الواقع يفرض التحدي على الجديد القادم من المملكة العربية السعودية, الذي حملته الأنباء بموافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، على تبني جائزة عالمية للباحثين والمهتمين بمجال التراث والثقافة على المستوى العالمي، لتكون ضمن إحدى أهم فعاليات مهرجان الجنادرية خلال العام المقبل.
جاء الإعلان عن الجائزة من قبل الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز نائب رئيس الحرس الوطني للشؤون التنفيذية نائب رئيس اللجنة العليا لمهرجان الجنادرية، السبت, والتي ستحمل اسم «جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للتراث والثقافة» تضيف المملكة لبنة جديدة من لبنات مشروعها الثقافي ذي الرؤية الإنسانية والآفاق العالمية.
التوقيت مهم في الإعلان عن الجائزة، فإدارته لم ترد لها أن تكون مفاجأة المهرجان بقدر ما سعت ـ على ما يبدو ـ من الإعلان عن الجائزة ليكون مساهمة ترتقي بالجنادرية من مناسبة ذات بعد محلي إلى فضاء الثقافة العالمية، وذاك ما يسهم في تعزيز القيم الإنسانية التي نهجتها المملكة منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الحكم، والتي عبرت عن رؤى كبيرة تجاه الإنسان والعالم والمعرفة.
تفاصيل الجائزة قد تكون مهمة لمن سيتولون ترشيح أنفسهم، بيد أن الأهم ثقافيا هو القيمة التي تمثلها من حيث كونها تصدر من البلد الذي يضم أهم مواقع التراث العالمي وأقدس بقاع الأرض, وهو مكة المكرمة والحرم النبوي في المدينة المنورة، وبذلك تلقي قداسة المكان وقيمته ظلها على الجائزة التي يقدمها ويرعاها ملك عرف عنه منذ تولي الحكم أنه سعى جديا إلى تثاقف عالمي عبر الحوار مع الآخر، فكانت سلسلة اللقاءات والمؤتمرات التي عنت بأمر حوار الأديان بمثابة التأسيس الفكري لخطاب الرهن والمستقبل الذي يصدر من أرض الإسلام إلى الدنيا كافة.
الجائزة ستمثل جديد مهرجان الجنادرية في دورته الـ 25 وستعمل على خلق حالة منافسة مع المهرجانات الثقافية الأخرى, وهذه سيسهم في تفعيل نقل المهرجان من سمة «الوطني» إلى «العالمي» وقد أحسنت إدارة المهرجان بأن جعلت الدورة الأولى للجائزة في الدورة المقبلة للجنادرية, وهو ما يعطي الجائزة الفترة المناسبة لتأخذ بعدها المؤسسي وتشكل هيئاتها المؤسسة التي ستنظر في طلبات الترشيح أو التي ستقوم بالاختيار، كما ستعطي فترة كافية لتحديد الأطر الناظمة للنهوض بالمهام الإدارية والتنظيمية والمهنية للجائزة.
جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للتراث والثقافة ستحمل معها منذ ولادتها التحدي الذي سيلازمها، وهو تحدي الفرق عن الجوائز الأخرى التي تصدر عالميا وعربيا وإسلاميا في موضوعات التراث والثقافة، وبالتالي ستكون أمام هيئات الجائزة التي ستشكل لاحقا مهام كبيرة تتمثل في كيفية إحداث الفرق لهذه الجائزة عن مثيلاتها الموجودة مثل جوائز الأغاخان في العمارة وجوائز الثقافة العربية التي تصدر في دول خليجية أو عربية أخرى أو حتى في المملكة العربية السعودية ذاتها.
كثيرة هي الجوائز العربية اليوم، وقليل جيدها ورصينها، وذاك ناتج عن تحويل بعضها إلى باب من أبواب الاسترضاء أو جعلها مناسبة احتفالية محضة، بيد أن ما يحدث في المملكة العربية السعودية من نهضة علمية وثقافية وبذل كبير على مشاريع تعليمية وثقافية تؤكد أن جائزة الملك عبد الله للثقافة والتراث ستخرج من رحم هذا المسار، مسار النهضة السعودية الثالثة الذي استهدف في عهد خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز تعزيز قوى الدولة التي عبر عنها ميشيل فوكوا وهي الثروة والمعرفة, وهاتان القوتان هما اللتان تصنعان قوة الدولة وتعززانها.
جائزة التراث والثقافة سبقتها جائزة خادم الحرمين الشريفين للترجمة التي كانت تعبيرا عن رؤية عميقة لأهمية الترجمة كوعاء ناقل للثقافات، وهو ما يسهم في تعزيز الحوار الثقافي عبر الترجمة وهو حوار يمكن من تعريف حقيقة الإسلام ويعمل على نشر اللغة العربية وثقافتهما، إضافة إلى أن الترجمة إحدى الوسائل المهمة التي تربط الثقافات معا، وخاصة الثقافة الإسلامية، وتفاعلها مع الحضارات الأخرى.
إذن تملك المملكة العربية السعودية ما يسمى ثقافة مؤسسة للجوائز التي تعنى بخدمة المعرفة, فإلى جانب جوائز خادم الحرمين الشريفين التي ميزت عهده, هناك جائزة الملك فيصل العالمية التي تمتاز بالحفاظ على مستواها العلمي المتقدم وعلى درجة عالية من الضبط المعرفي.
ما يلزم الجوائز هو وجود مستنيرين، فهي لا تنمو ولا تستمر ولا تتحصن إلا بوجود نخب ممتازة لها خبرة في الجوائز الثقافية والفكرية وذات رؤى إنسانية، ولعل المطلوب أمام هيئة الجائزة الجديد هو محاولة تكريس ثقافة الجدة والصرامة في معايير المنح والاختيار، التي إن ضبطت وأحسن تقنينها فإنها ستضمن للجائزة التميز والافتراق عن غيرها من الجوائز العربية والثقافية, وأعتقد أن لدى المملكة من النخب والعاملين في الحقل الأكاديمي ما يمكنها من بناء منظومة مؤسسية فاعلة ستضمن لهذه الجائزة أن تكون في مقدمة الجوائز العالمية.
أخيرا، وفيما يخص الجنادرية, فهو بفضل ما يحظى به من دعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام والأمير بدر بن عبد العزيز نائب رئيس الحرس الوطني, خرج من وصفه وطنيا محليا إلى آفاق العالمية, والمهم أنه جعل من الفكر قيمة مضافة إلى جانب الاعتزاز بثقافة الدولة والمجتمع السعودي.
__________________
تـحيـــاتي...