تحدثنا في مقال سابق عن ضعف الإيمان أو فقدانه، وقلنا أنه أساس كل بلاء، ومصدر كل شر؛ ولذا ينبغي بذل كل مجهود لعلاجه، وذكرنا أن تراثنا الإسلامي يزحر بالدرر الثمينة، والمواعظ المؤثرة؛ فما علينا إلا البحث والتنقيب عنها في مظانها، وإخراجها للناس؛ ففي ذلك خير كثير...
ولا يعني ذلك أن ندع الا بتكار والتجديد في الدعوة، بل يعني عدم إغفال ذلك العنصر الهام كما يزعم بعض الناس...
وسنقوم - إن شاء الله – باستعراض بعض تلك الصور المشرقة التي تغسل القلب من أوضار حب الدنيا، وتحلق به عاليا في سماء الطهروالنقاء، بعيدا عن أدران الدنيا، و زحمة الانشغال بها ...
وسنتحدث اليوم عن طول الأمل: وهو أن يذوب الإنسان في حب الدنيا، وينسى ما سواها، ويكثر من الاستعداد لها، وكأنه سيعيش فيها خالدا مخلدا، لا يرحل عنها أبدا، وهذا حال أكثر الناس في زماننا هذا، ذاهلون عن الآخرة، مقبلون على الدنيا، وكلما يحيط بهم يشجعهم على ذلك، من غفلة عن ذكر الله، وتعلق شديد بالدنيا، ومغريات جذابه تجعل الحليم حيرانا...
ولو فكر الإنسان في حاله، وأنه مهما عاش لابد صائر إلى الفناء؛ لغير رأيه، وندم على تفريطه، وترك الزائلة، وأقبل على الباقية ...
يقول سبحانه وتعالى:
*أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ*
* ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ *
* مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ *
لو عاش الإنسان سنين طويلة؛ فإنه لابد أن يرحل عن هذه الدنيا، ثم أن هذا الإنسان نفسه ليس لديه ضمان أن يعيش سنين طويلة؛ فربما يفجأه الموت وهو في ريعان الشباب، كما هو مشاهد كل حين...
فالعاقل هو الذي لا يركن إلى طول الأمل، بل يخاف منه أشد الخوف كلما أحس به؛ لأنه مطية الشيطان؛ ولذلك وردت أخبار كثيرة من الصالحين في ذم طول الأمل
قال معروف لرجل صلّ بنا الظّهر , فقال :
إن صليت بكم الظهر لم أصلّ بكم العصر ...
فقال : معروف كأنك تؤمل أن تعيش إلى العصر, نعوذ بالله من طول الأمل ...
لو علمت أنني أعيش إلى العصر لشق علي ذلك...
( فأما قصر الأمل؛ فهو العلم بقرب الرحيل، وسرعة انقضاء مدة الحياة، وهو من أنفع الأمور للقلب؛ فإنه يبعثه عن معاسفة الأيام، وانتهاز الفرص التي تمر مر السحاب، ومبادرة طيّ صحائف الأعمال، ويثير ساكن عزماته إلى دار البقاء، ويحثه على قضاء جهاز سفره، وتدارك الفارط من أيامه، ويزّهده في الدنيا، ويرغّبه في الآخرة...
فيقوم بقلبه - إذا داوم مطالعة قصرالأمل - شاهد من شواهد اليقين؛ يريه فناء الدنيا، وسرعة انقضائها، وقلة ما بقي منها، وأنها قد ترحلت مدبرة، ولم يبقى منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابُّها صاحبها، وأنها لم يبقى منها إلا كما يبقى من يوم صارت شمسه على ؤوس الجبال، ويريه لقاء الآخرة ودوامها، وأنها قد ترحلت مقبلة، وقد جاء أشراطها وعلامتها، وأنه من لقائها كمسافر خرج صاحبه يتلقاه؛ فكل منهما يسير إلى الآخر فيوشك أن يلتقيا سريعاً...
وقصر الأمل بناؤه على أمرين :
تيقن زوال الدنيا ومفارقتها...
,وتيقن لقاء الآخرة وبقائها ودوامها...
, ثم يقايس بين الأمرين ويؤثر أولهما بالإيثار )
الإمام ابن قيم الجوزية
سبق وأن قام بهذة المقايسة سفيان الثوري ثم صاغها في بيت من الشعر كان كثيراً ما يتمثل به :
باعوا جديداً جميلاً باقياً أبداً ... بدارسٍ خَلَقٍ يا بئس ما اتجروا
وقال الشاعر:
سهوت وغرني أملـي ... وقد قصرت في عملي
ومـنزلة خُلقت لهـا ... جعلـتُ لغيرها شغلي
يظل الدهر يطلبـني ... ويمـضي بي على عجل
فأيـامي تقـربـني ... وتدنـيني من الأجـل
وقال شاعر آحر:
كل حيٍ سيموت ليس في الدنيا ثبوت
حركات سوف تفنى ثم يتلوها خبوت
وكلامٌ ليس يحلو بعده إلا السكوت أيها
السادر قل لي أين ذاك الجبروت
كنت مطبوعاً على النطق فما هذا الصموت
ليت شعري أخمود ما أراه أم قنوت
أين أملاكٌ لهم في كل أفق ملكوت
زالت التيجان عنهم وخلت تلك البيوت
أصبحت أوطانهم من بعدهم وهي خبوت
لا سميع يفقه القول ولا حي يصوت
عمرت منهم قبورٌ وخلت منهم بيوت
لم تزد عنهم نحوت الدهر إذ حالت بخوت
خمدت تلك المساعي وانقضت تلك النعوت
إنما الدنيا خيالٌ باطلٌ سوف يفوت
ليس للإنسان فيها غير تقوى الله قوت
يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه { صيد الخاطر}:
من أظرف الأشياء إفاقة المحتضر عند موته , فإنه ينتبه انتباها لا يوصف , ويقلق قلقا لا يحد , ويتلهف على
زمانه الماضي...
ويود لو ترك كي يتدارك ما فاته و يصدق في توبته على مقدار يقينه بالموت و يكاد يقتل نفسه قبل موتها
بالأسف....
ولو وجدت ذرة من تلك الأحوال في أوان العافية حصل كل مقصود من العمل بالتقوى.
فالعاقل من مثّل تلك الساعة، وعمل بمقتضى ذلك .
فإن لم يتهيأ تصوير ذلك على حقيقته تخيله على قدر يقظته...
فإنه يكف داعي الهوى و يبعث على الجد...
فأما من كانت تلك الساعة نصب عينيه كان كالأسير لها ...
منقووول
ولا يعني ذلك أن ندع الا بتكار والتجديد في الدعوة، بل يعني عدم إغفال ذلك العنصر الهام كما يزعم بعض الناس...
وسنقوم - إن شاء الله – باستعراض بعض تلك الصور المشرقة التي تغسل القلب من أوضار حب الدنيا، وتحلق به عاليا في سماء الطهروالنقاء، بعيدا عن أدران الدنيا، و زحمة الانشغال بها ...
وسنتحدث اليوم عن طول الأمل: وهو أن يذوب الإنسان في حب الدنيا، وينسى ما سواها، ويكثر من الاستعداد لها، وكأنه سيعيش فيها خالدا مخلدا، لا يرحل عنها أبدا، وهذا حال أكثر الناس في زماننا هذا، ذاهلون عن الآخرة، مقبلون على الدنيا، وكلما يحيط بهم يشجعهم على ذلك، من غفلة عن ذكر الله، وتعلق شديد بالدنيا، ومغريات جذابه تجعل الحليم حيرانا...
ولو فكر الإنسان في حاله، وأنه مهما عاش لابد صائر إلى الفناء؛ لغير رأيه، وندم على تفريطه، وترك الزائلة، وأقبل على الباقية ...
يقول سبحانه وتعالى:
*أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ*
* ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ *
* مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ *
لو عاش الإنسان سنين طويلة؛ فإنه لابد أن يرحل عن هذه الدنيا، ثم أن هذا الإنسان نفسه ليس لديه ضمان أن يعيش سنين طويلة؛ فربما يفجأه الموت وهو في ريعان الشباب، كما هو مشاهد كل حين...
فالعاقل هو الذي لا يركن إلى طول الأمل، بل يخاف منه أشد الخوف كلما أحس به؛ لأنه مطية الشيطان؛ ولذلك وردت أخبار كثيرة من الصالحين في ذم طول الأمل
قال معروف لرجل صلّ بنا الظّهر , فقال :
إن صليت بكم الظهر لم أصلّ بكم العصر ...
فقال : معروف كأنك تؤمل أن تعيش إلى العصر, نعوذ بالله من طول الأمل ...
لو علمت أنني أعيش إلى العصر لشق علي ذلك...
( فأما قصر الأمل؛ فهو العلم بقرب الرحيل، وسرعة انقضاء مدة الحياة، وهو من أنفع الأمور للقلب؛ فإنه يبعثه عن معاسفة الأيام، وانتهاز الفرص التي تمر مر السحاب، ومبادرة طيّ صحائف الأعمال، ويثير ساكن عزماته إلى دار البقاء، ويحثه على قضاء جهاز سفره، وتدارك الفارط من أيامه، ويزّهده في الدنيا، ويرغّبه في الآخرة...
فيقوم بقلبه - إذا داوم مطالعة قصرالأمل - شاهد من شواهد اليقين؛ يريه فناء الدنيا، وسرعة انقضائها، وقلة ما بقي منها، وأنها قد ترحلت مدبرة، ولم يبقى منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابُّها صاحبها، وأنها لم يبقى منها إلا كما يبقى من يوم صارت شمسه على ؤوس الجبال، ويريه لقاء الآخرة ودوامها، وأنها قد ترحلت مقبلة، وقد جاء أشراطها وعلامتها، وأنه من لقائها كمسافر خرج صاحبه يتلقاه؛ فكل منهما يسير إلى الآخر فيوشك أن يلتقيا سريعاً...
وقصر الأمل بناؤه على أمرين :
تيقن زوال الدنيا ومفارقتها...
,وتيقن لقاء الآخرة وبقائها ودوامها...
, ثم يقايس بين الأمرين ويؤثر أولهما بالإيثار )
الإمام ابن قيم الجوزية
سبق وأن قام بهذة المقايسة سفيان الثوري ثم صاغها في بيت من الشعر كان كثيراً ما يتمثل به :
باعوا جديداً جميلاً باقياً أبداً ... بدارسٍ خَلَقٍ يا بئس ما اتجروا
وقال الشاعر:
سهوت وغرني أملـي ... وقد قصرت في عملي
ومـنزلة خُلقت لهـا ... جعلـتُ لغيرها شغلي
يظل الدهر يطلبـني ... ويمـضي بي على عجل
فأيـامي تقـربـني ... وتدنـيني من الأجـل
وقال شاعر آحر:
كل حيٍ سيموت ليس في الدنيا ثبوت
حركات سوف تفنى ثم يتلوها خبوت
وكلامٌ ليس يحلو بعده إلا السكوت أيها
السادر قل لي أين ذاك الجبروت
كنت مطبوعاً على النطق فما هذا الصموت
ليت شعري أخمود ما أراه أم قنوت
أين أملاكٌ لهم في كل أفق ملكوت
زالت التيجان عنهم وخلت تلك البيوت
أصبحت أوطانهم من بعدهم وهي خبوت
لا سميع يفقه القول ولا حي يصوت
عمرت منهم قبورٌ وخلت منهم بيوت
لم تزد عنهم نحوت الدهر إذ حالت بخوت
خمدت تلك المساعي وانقضت تلك النعوت
إنما الدنيا خيالٌ باطلٌ سوف يفوت
ليس للإنسان فيها غير تقوى الله قوت
يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه { صيد الخاطر}:
من أظرف الأشياء إفاقة المحتضر عند موته , فإنه ينتبه انتباها لا يوصف , ويقلق قلقا لا يحد , ويتلهف على
زمانه الماضي...
ويود لو ترك كي يتدارك ما فاته و يصدق في توبته على مقدار يقينه بالموت و يكاد يقتل نفسه قبل موتها
بالأسف....
ولو وجدت ذرة من تلك الأحوال في أوان العافية حصل كل مقصود من العمل بالتقوى.
فالعاقل من مثّل تلك الساعة، وعمل بمقتضى ذلك .
فإن لم يتهيأ تصوير ذلك على حقيقته تخيله على قدر يقظته...
فإنه يكف داعي الهوى و يبعث على الجد...
فأما من كانت تلك الساعة نصب عينيه كان كالأسير لها ...
منقووول