Icon33 «أب» يغتال شرف ابنته .. والفتاة بدموع بريئة تشتكي : عدت من الموت لحياة باهته وآلام وو
وصف – الرياض – نوف المنديل :
نسمع ونقرأ كثيرا عن الذئاب البشرية التي تتربص بالأنثى في الشوارع والطرقات المظلمة سعيا في الفتك ببراءتها، واغتيال عفتها، والارتواء المحرم من أنوثتها، لكن أن تفاجئنا هذه الذئاب من الداخل، من البيت الذي يفترض كونه واحة للأمان والحنو والشرف، وتحديدا من رمز القوامة والذود عن الشرف، من الأب الذي يفترض أن بناته جزء منه، فهذا ما لا يمكن استيعابه أو تصديقه، خاصة لو حدث ذلك في مجتمع محافظ يعلي راية الفضيلة مثل مجتمعنا.. الجنون أو الموت هما النهايتان الحتميتان لمن تقوده أقداره للمرور بهذه التجربة، وهذا ما كادت تنتهي به قصتنا قبل أن نتعرف إلى فصولها، لولا أن كتب الله النجاة للضحية.. إلى التفاصيل:
بخطوات متثاقلة ودقات قلب لاهثة ومشاعر متناقضة ذهبت إليها، ما بين واقع الحياة ووهم الموت، في وهن جاءتني نظراتها حائرة، بوجه شاحب وعمر ذابل استقبلتني، اقتربت منها، لامست يدها برفق أعانق حلمها الوليد قبل وأده، غالبتني دمعة حبيسة أزاحت هموم نفسي، تدثرت بإنسانيتي وخلعت عباءة مهنتي، وبهدوء تركت العائدة إلى الحياة تحكي.
حياة غير سوية
بدأت حديثها بنظرات زائغة حائرة استرجعت شريط ذكرياتها قائلة: كانت طفولتي مختلفة، لم أنعم بحياة أسرية سوية، منذ إدراكي للحياة وخلافات أمي وأبي تداعب مسامعي وتتجسد أمام عيني، انعزلت عن عالمي البريء وارتميت في أحضان الوحدة، دائما في مخيلتي صورة الأب الصارم الذي هدد كيان أسرتنا، ما بين التشتت والحزن طافت أيامنا، عند مرحلة بلوغي بدأ كياني الأنثوي يتشكل، وانقلبت حياتي حينما طلقت أمي وتركتني أعاني وحدتي، تجرعت مرارة فراقها بعمري الذي ما زال ينزف دما.
أشلاء فتاة
زاغت عيناها لأمد بعيد بعيون منكسرة وصوت هامس وهي تضيف: في سن الـ12 حدث يوما أثناء لهوي وبراءتي أن اقترب مني والدي وأراد تقبيلي، لم أفهم جيدا مغزى القبلة، ولم أكن لأرفض فهذا أمر طبيعي، إلا أنني شعرت بيده المرتعشة تتحسس جسدي بطريقة غير معهودة، وحينما أردت الابتعاد من بين يديه ونظراته المستعرة قائل لي: «أنت ابنتي ولا بد أن تطيعي أمري»، ثم ركض نحوي كذئب يستأثر بفريسته، حاولت الهرب، إلا أنه طوقني وانهال علي ضربا حتى أغشى علي، وحينما أفقت وجدت نفسي غارقة في دماء براءتي، وأدركت بصعوبة أنني سقطت في مستنقع أيامي القذرة. أصبحت سيلا متواصلا من الأحزان، مادت بي الأرض بعد أن اغتال أبي الذي احتمي به براءتي وشرفي وتركني أشلاء فتاة ذبلت قبل الأوان.
العائدة من الموت
سألتها: ألهذا حاولت الانتحار؟ فأمسكت عن الحديث لدقائق، وكأنها تريد أن تمحو ذكرياتها، لكنني شجعتها عن الحديث فأضافت: بلا شك، لقد ضعت على يد أقرب الناس إلي، فما الذي انتظره من الآخرين، لذلك حاولت الفرار من هذه الدنيا الغادرة، لم أشأ أن أفضح أبي الذي تزوج بأخرى غير أمي، رافقتني الوحدة وقتلني الحزن وفي شرنقتي، عشت أيامي وقد شيعت نفسي، انتظر ما تجود به الأيام من رحمة ربي، حاولت الاتصال بأمي أبث لها ضعفي وقلة حيلتي، لكن لم يكن بمقدورها فعل شيء، وصدمتني عبارتها الأخيرة عبر الهاتف: «ماذا عساي أن أفعل لك، تكيفي مع واقعك وانسي أمك نهائيا»!
أجهشت في بكاء مرير قطع حديثنا لدقائق حتى تغلبت على نفسها وأضافت: كالصاعقة صدمتني كلماتها، ظللت أياما أحادث نفسي لعلي أجد الإجابة وللأسف لم أجدها بل أصابتني الحيرة، لمن ألجأ؟ وماذا أقول؟ إنه أبي كيف أفضح نفسي؟ إنه وحش كاسر لا يكترث بآلامي، آثرت الصمت القاتل وانكفائي على ذاتي.. ومع مرور الأيام خبت شمعة أملي، وجدت نفسي امرأة في عامها الـ16 أصبحت نفايا من ملوثات الزمن الغادر، وبمداد من الحزن سطرت في حياتي الوهم والبغض لكل من حولي.
وحينما بدأت قطرة ندى على استحياء تحيي أملي عندما تقدم شاب لخطبتي اعتقدت خطأ أن الأيام ابتسمت لي، فعندما علم أبي بذلك جن جنونه، علمت فيما بعد أنه مدمن للمخدرات، وأنه عندما كان يعاشرني جنسيا كان تحت تأثير المخدرات، كان يعذبني كلما تقدم شاب لخطبتي، يعاشرني بعنف يطفئ في جسدي دخان سجائره، ألمح ضحكاته الماجنة تخترقني فيتركني ضحية لمخالب زمني.. لذلك وحينما استبد بي الشيطان تناولت جرعات من دواء مهدئ، كأني أسابق زمني لألحق بالعالم اللا محدود، حيث يستريح قلبي وتهدأ أيامي، أغمضت عيني وغفوت بعيدا عن عالمي المزعج حيث اللاشعور، عشت مدة من الزمن لا أعلم مداها لأحلق في فضاء حلمي، دخلت سرداب الموت متمنية ألا أعود.
حياتي الباهتة
ما شعورك عندما تم إنقاذك؟ سألتها فأجابت بمرارة: ما بين لحظات الموت وأمل الحياة انفلق صباح عمري بفضل الله، شعرت بدقات قلبي تبعث من جديد، وبجسدي يستعد للحياة، تساقطت العبرات من عيني وبشعور لا أستطيع وصفه عدت للحياة، فصرخت بصوت مرتفع: لا أريد الحياة، دعوني أموت، أخلد للعالم الآخر، إلا أن الطبيبة هدأت من روعي وأعطتني عقارا مهدئا، ثم أفقت وأنا لا أدري أأشعر بالفرحة أم الندم أم الألم الذي ينتظرني.