فلتشرق شمسك ..
على أحد الطرق السريعة.. توقف السائق لدفع رسوم الطريق..
والغريب أنه دفع ضعف المبلغ المطلوب! وأشار بيده إلى السيارة التي خلفه لافتاً انتباه الموظف إلى أنه قد سدَّد عن صاحبها الرسم.. ثم مضى حال سبيله!.
سُئل عن صلته بالشخص الذي سدَّد عنه الرسوم: صديق أم قريب أم جار؟
قال: لا أعرفه!!!
إذن: لماذا سددت عنه؟
قال: عودت نفسي على هذا، ولا أجد أن المبلغ الذي أدفعه يوازي سعادتي تجاه إدخال السرور على الآخرين..
الله ما أروعك!!
سائق بسيط المؤهل.. متواضع الثقافة.. اهتدى بالممارسة إلى هذه الحقيقة العميقة!
إن من الأشياء التي اتفق عليها المصلحون الذين تحدثوا عن السعادة ومسبباتها أن العمل على إسعاد الآخرين يعتبر من أقوى الأسباب الجالبة للسعادة.
وما أروع هذا العطاء إذا صاحبته نية صادقة وقصد مخلص لله: (وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى).
ومن أقوى حالات العطاء وأعظم درجات البذل هو مجاوزة درجة العطاء المتوقع إلى ما لا يُتوقع!.
وقد قرأت جميلة رائعة في أحد الكتب تقول: (قدِّم للآخرين عطاء لا يحلمون في أحلامهم الوردية أن يقدمه لهم أحد).
والمتأمل في سيرة الحبيب يجد تلك الصفة العظيمة.. كما فعل مع ذلك الأعرابي حديث العهد في الإسلام؛ حيث منحه وادياً من غنم، فولاّه الأعرابي ظهره فرحاً مبهوتاً متمتماً بعظمة العطاء.
ما أجمل أن يكون العطاء عموماً صفة ملازمة وعادة لا تنفك؛ فالاندفاع الشديد نحو حيازة الأشياء، والجنوح المبالغ فيه نحو الماديات، والملاحقة اللاهثة نحو الأخذ والنوال من الآخرين؛ كل تلك الأشياء لن تثمر أبداً عن إشباع الروح بالرضا والطمأنينة.. والذي يكفل تحقيق هذا هو العمل بقانون العطاء والمنح. ويشدد على هذا مدرب كرة القدم الأمريكي الشهير جون وودين بقوله: (لا يمكنك أن تعيش يوماً كاملاً دون أن تفعل معروفاً مفيداً لشخص لا يستطيع ردّه، وهذا يعني أن تفعل هذا لشخص لن يعرف حتى من فعل هذا المعروف).
عظيم أن نعطي بلا مَنّ ولا أذى… لله فقط..
عظيم أن نعطي من لا يستحق..
عظيم أن نحفظ الأسرار ونشاطر الهموم ونشارك الأحلام..
عظيم أن نبتسم لمن لا يبتسم لنا..
عظيم أن نضحك لطرفة سمعناها كثيراً..
عظيم أن نسمع لصغير ونتفاعل مع طرح (مملّ) لشيخ كبير..
عظيم أن نعفو ونتسامح مع جليل الأخطاء..
ومن أروع العطاءات أن نعطي جزءاً من أوقاتنا، وأن نعطي جزءاً من تفكيرنا واهتمامنا للآخرين حباً وتعاطفاً ووفاءً لإنسانيتهم وطمعاً في الأجر والمثوبة..
كتبه :د .خالد المنيف