السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبـادة
الشتاء غنيمة المؤمن
الباردة
أقبل فصل الشتاء ببرده ومطره، وطول ليله وقصر نهاره، مما يجعل المرء يتساءل:
كيف يكون اجتهاده في عبادة ربه خلاله؟
وهل هناك سمات خاصة لهذا الفصل تجعل العبادة فيه ذات شكل مختلف عن غيره من الفصول؟
وبمعنى آخر: هل يمكن للمسلم استثمار أيام الشتاء ولياليه في جني مزيد من الثواب والأجر، وتحقيق مزيد من القربى من الله تعالى؟
ربيع المؤمن.. والغنيمة الباردة
خرّج الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشتاء ربيع المؤمن" (رواه أحمد (3/75) بإسناد ضعيف). وخرجه البيهقي، وزاد فيه: "طال ليله فقامه، وقصر نهاره فصامه". (رواه البيهقي في "سننه الكبرى" (4/ 297) بإسناد ضعيف).
فلماذا كان الشتاء "ربيع المؤمن"؟
الواقع أن ذلك؛ لأنه فصل: "يرتع فيه المؤمن في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات،
وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه، كما ترتع البهائم في مرعى الربيع، فتسمن، وتصلح أجسادها،
فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء، بما يسر الله تعالى فيه من الطاعات،
فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة من جوع ولا عطش،
فإن نهاره قصير بارد، فلا يحس فيه بمشقة الصيام".
وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: "لماذا فُضل قيام ليل الشتاء بالذات؟
والجواب: "لأنه يشق على النفوس من وجهين: الأول: من جهة تألم النفس بالقيام من الفراش في شدة البرد.
والآخر: بما يحصل من إسباغ الوضوء في شدة هذا البرد، وهو من أفضل الأعمال.. من التألم".
حال الصحابة مع الشتاء
كان الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يحبون الشتاء حبًّا شديدًا، كعادتهم في حب أي شيء يؤدي إلى طاعة الله سبحانه وتعالى،
أو يكون سببًا في تحصيلها، وليس أعظم من الشتاء في ذلك؛ إذ كانوا -التزامًا بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم- يكثرون نهاره،
وإسباغ الماء البارد على المكاره من أعضاء أجسادهم، لا سيما في الليالي الشاتية، علاوة على عبادة اجتماعية كانوا يلجئون إليها في هذا الفصل،
هي التصدق بفضول ملابسهم، على الفقراء والمساكين، إعانة لهم على توقي برده الشديد، وحفظ أبدانهم من مضاره.
رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "مرحبًا بالشتاء.. تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام".
بل كان الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يرون أن صيام نهار الصيف يعدل قيام ليل الشتاء في الأجر والثواب؛ولعل هذا أحد أسباب بكاء معاذ رضي الله تعالى عنه عند موته؛ إذ قال:
"إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر".
وعن الحسن قال: "نِعْم زمان المؤمن الشتاء، ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه".
وعن عُبيد بن عُمير أنه كان إذا جاء الشتاء يقول: "يا أهل القرآن: طال ليلكم لقراءتكم فاقرءوا، وقصر النهار لصيامكم فصوموا".
فرصة لقيام الليل
أما قيام ليل الشتاء فلطوله، إذ يمكن أن تأخذ النفس في ليله حظها من النوم، ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة،
فيقرأ المصلي ورده كله من القرآن، وقد أخذت نفسه حظها من النوم، فيجتمع له نومه المُحتاج إليه
مع إدراك ورده من القرآن الكريم، فيكمل له مصلحة دينه، وراحة بدنه.
وفي فضل قيام الليل، وضرورة اتصاف المؤمنين به،
قال الله سبحانه: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ" [السجدة: 16]..
وهذا الفعل (التجافي عن المضاجع) يضاعف من الثواب عليه أن تكون المشقة فيه أشد، وهو شدة البرد،
لا سيما أن النفس تميل عند ذلك إلى استطابة الرقاد في الفراش، والالتذاذ بدفئه، وعدم التجافي
الله سبحانه وتعالى قال أيضًا -في وصف عباده المؤمنين-: "كَانُوا قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ". [الذاريات: 17].
وقلة "الهجع" -خصوصًا- بهدف إحياء ليالي الشتاء، هي مما لا يقدر عليه كثير من الناس في هذا الزمان، وواقعهم يدل على ذلك أبلغ الدلالة.
في السياق نفسه، رغّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل في كثير من أحاديثه، وتوجيهاته لأمته..
ومن ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل". [رواه
ومشجع على الصيام
أما صيام نهار الشتاء، فيصفه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه فيقول: "ألا أدلكم على الغنيمة الباردة"؟
قالوا: بلى، فقال: الصيام في الشتاء"، ومعنى كونه "غنيمة باردة"، أنها غنيمة تحصل بغير قتال،
ولا تعب ولا مشقة، فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفوًا وصفوًا بغير كُلفة.
فعلينا -إذن- والأمر هكذا أن نكثر من الصيام في فصل الشتاء، لا سيما الأيام الثلاثة البيض (الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر هجري).
وكذلك صيام يومي الإثنين والخميس،
فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم الإثنين والخميس. [رواه الترمذي وقال: حديث حسن
عبـادة
الشتاء غنيمة المؤمن
الباردة
أقبل فصل الشتاء ببرده ومطره، وطول ليله وقصر نهاره، مما يجعل المرء يتساءل:
كيف يكون اجتهاده في عبادة ربه خلاله؟
وهل هناك سمات خاصة لهذا الفصل تجعل العبادة فيه ذات شكل مختلف عن غيره من الفصول؟
وبمعنى آخر: هل يمكن للمسلم استثمار أيام الشتاء ولياليه في جني مزيد من الثواب والأجر، وتحقيق مزيد من القربى من الله تعالى؟
ربيع المؤمن.. والغنيمة الباردة
خرّج الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشتاء ربيع المؤمن" (رواه أحمد (3/75) بإسناد ضعيف). وخرجه البيهقي، وزاد فيه: "طال ليله فقامه، وقصر نهاره فصامه". (رواه البيهقي في "سننه الكبرى" (4/ 297) بإسناد ضعيف).
فلماذا كان الشتاء "ربيع المؤمن"؟
الواقع أن ذلك؛ لأنه فصل: "يرتع فيه المؤمن في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات،
وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه، كما ترتع البهائم في مرعى الربيع، فتسمن، وتصلح أجسادها،
فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء، بما يسر الله تعالى فيه من الطاعات،
فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة من جوع ولا عطش،
فإن نهاره قصير بارد، فلا يحس فيه بمشقة الصيام".
وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: "لماذا فُضل قيام ليل الشتاء بالذات؟
والجواب: "لأنه يشق على النفوس من وجهين: الأول: من جهة تألم النفس بالقيام من الفراش في شدة البرد.
والآخر: بما يحصل من إسباغ الوضوء في شدة هذا البرد، وهو من أفضل الأعمال.. من التألم".
حال الصحابة مع الشتاء
كان الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يحبون الشتاء حبًّا شديدًا، كعادتهم في حب أي شيء يؤدي إلى طاعة الله سبحانه وتعالى،
أو يكون سببًا في تحصيلها، وليس أعظم من الشتاء في ذلك؛ إذ كانوا -التزامًا بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم- يكثرون نهاره،
وإسباغ الماء البارد على المكاره من أعضاء أجسادهم، لا سيما في الليالي الشاتية، علاوة على عبادة اجتماعية كانوا يلجئون إليها في هذا الفصل،
هي التصدق بفضول ملابسهم، على الفقراء والمساكين، إعانة لهم على توقي برده الشديد، وحفظ أبدانهم من مضاره.
رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "مرحبًا بالشتاء.. تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام".
بل كان الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يرون أن صيام نهار الصيف يعدل قيام ليل الشتاء في الأجر والثواب؛ولعل هذا أحد أسباب بكاء معاذ رضي الله تعالى عنه عند موته؛ إذ قال:
"إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر".
وعن الحسن قال: "نِعْم زمان المؤمن الشتاء، ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه".
وعن عُبيد بن عُمير أنه كان إذا جاء الشتاء يقول: "يا أهل القرآن: طال ليلكم لقراءتكم فاقرءوا، وقصر النهار لصيامكم فصوموا".
فرصة لقيام الليل
أما قيام ليل الشتاء فلطوله، إذ يمكن أن تأخذ النفس في ليله حظها من النوم، ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة،
فيقرأ المصلي ورده كله من القرآن، وقد أخذت نفسه حظها من النوم، فيجتمع له نومه المُحتاج إليه
مع إدراك ورده من القرآن الكريم، فيكمل له مصلحة دينه، وراحة بدنه.
وفي فضل قيام الليل، وضرورة اتصاف المؤمنين به،
قال الله سبحانه: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ" [السجدة: 16]..
وهذا الفعل (التجافي عن المضاجع) يضاعف من الثواب عليه أن تكون المشقة فيه أشد، وهو شدة البرد،
لا سيما أن النفس تميل عند ذلك إلى استطابة الرقاد في الفراش، والالتذاذ بدفئه، وعدم التجافي
الله سبحانه وتعالى قال أيضًا -في وصف عباده المؤمنين-: "كَانُوا قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ". [الذاريات: 17].
وقلة "الهجع" -خصوصًا- بهدف إحياء ليالي الشتاء، هي مما لا يقدر عليه كثير من الناس في هذا الزمان، وواقعهم يدل على ذلك أبلغ الدلالة.
في السياق نفسه، رغّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل في كثير من أحاديثه، وتوجيهاته لأمته..
ومن ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل". [رواه
ومشجع على الصيام
أما صيام نهار الشتاء، فيصفه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه فيقول: "ألا أدلكم على الغنيمة الباردة"؟
قالوا: بلى، فقال: الصيام في الشتاء"، ومعنى كونه "غنيمة باردة"، أنها غنيمة تحصل بغير قتال،
ولا تعب ولا مشقة، فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفوًا وصفوًا بغير كُلفة.
فعلينا -إذن- والأمر هكذا أن نكثر من الصيام في فصل الشتاء، لا سيما الأيام الثلاثة البيض (الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر هجري).
وكذلك صيام يومي الإثنين والخميس،
فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم الإثنين والخميس. [رواه الترمذي وقال: حديث حسن